سورة آل عمران - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{قَالَ رَبِّ اجعل لِّي} {لِي} مدني وأبو عمرو {ءَايَةً} علامة أعرف بها الحبل لأتلقى النعمة بالشكر إذا جاءت {قَالَ آيتُكَ ألاَّ تُكَلِّمَ الناس} أي لا تقدر على تكليم الناس {ثلاثة أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} إلا إشارة بيد أو رأس أوعين أو حاجب وأصله التحرك، يقال ارتمز إذا تحرك. واستثنى الرمز وهو ليس من جنس الكلام لأنه لما أدّى مؤدّى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلاماً، أو هو استثناء منقطع. وإنما خص تكليم الناس ليعلم أنه يحبس لسانه عن القدرة عن تكليمهم خاصة مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله ولذا قال: {واذكر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبّحْ بالعشي والإبكار} أي في أيام عجزك عن تكليم الناس وهي من الآيات الباهرة والأدلة الظاهرة، وإنما حبس لسانه عن كلام الناس ليخلص المدة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له: آيتك أن تحبس لسانك إلا عن الشكر، وأحسن الجواب ما كان منتزعاً من السؤال. والعشي من حين الزوال إلى الغروب، والإبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى.
{وَإِذْ} عطف على {إذ قالت امرأة عمران} أو التقدير واذكر إذا {قَالَتِ الملئكة يامريم} روي أنهم كلموها شفاها {إِنَّ الله اصطفاك} أولاً حين تقبلك من أمك ورباك واختصك بالكرامة السنية {وَطَهَّرَكِ} مما يستقذر من الأفعال {واصطفاك} آخراً {على نِسَاء العالمين} بأن وهب لك عيسى من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء {يامريم اقنتي لِرَبِّكِ} أديمي الطاعة أو أطيلي قيام الصلاة {واسجدي} وقيل: أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيئات الصلاة، ثم قيل لها {واركعي مَعَ الركعين} أي ولتكن صلاتك مع المصلين أي في الجماعة، أو وانظمي نفسك في جملة المصلين وكوني في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم {ذلك} إشارة إلى ما سبق من قصة حنة وزكريا ويحيى ومريم {مِنْ أَنبَاءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ} يعني أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أقلامهم} أزلامهم وهي قداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين، أو هي الأقلام التي كانوا يكتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبركاً بها {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} متعلق بمحذوف دل عليه {يلقون} كأنه قيل: يلقونها ينظرون أيهم يَكفل مريم أو ليعلموا أو يقولون {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} في شأنها تنافساً في التكفل بها {إِذْ قَالَتِ الملائكة} أي اذكر {يامريم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} أي بعيسى {مِّنْهُ} في موضع جر صفة لكلمة {اسمه} مبتدأ وذكر ضمير الكلمة لأن المسمى بها مذكر {المسيح} خبره والجملة في موضع جر صفة ل {كلمة}.
والمسيح لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق وأصله (مشيحاً) بالعبرانية ومعناه المبارك كقوله: {وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنتُ} [مريم: 31]. وقيل: سمي مسيحاً لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ، أو لأنه كان يمسح الأرض بالسياحة لا يستوطن مكاناً {عِيسَى} بدل من المسيح {ابن مَرْيَمَ} خبر مبتدأ محذوف أي هو ابن مريم، ولا يجوز أن يكون صفة لعيسى لأن اسمه عيسى فحسب وليس اسمه عيسى ابن مريم. وإنما قال: {ابن مريم} إعلاماً لها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه {وَجِيهاً} ذا جاه وقدر {في الدُّنيا} بالنبوة والطاعة {والآخرة} بعلو الدرجة والشفاعة {وَمِنَ المقربين} برفعه إلى السماء، وقوله {وجيهاً} حال من {كلمة} لكونها موصوفة وكذا {ومن المقربين} أي وثابتاً من المقربين، وكذا {ويكَلِّمُ النّاسَ} أي ومكلماً الناس في المهد حال من الضمير في {يكلم} أي ثابتاً في المهد وهو ما يمهد للصبي من مضجعه سمي بالمصدر {وَكَهْلاً} عطف عليه أي ويكلم الناس طفلاً وكهلاً أي يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحالة الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء {وَمِنَ الصالحين} حال أيضاً والتقدير يبشرك به موصوفاً بهذه الصفات.
{قَالَتْ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كذلك الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يقول له كن فيكون} أي إذا قدر تكون شيء كونه من غير تأخير لكنه عبر بقوله {كن} إخباراً عن سرعة تكون الأشياء بتكوينه {وَيُعَلِّمُهُ} مدني وعاصم وموضعه حال معطوفة على {وجيهاً}. الباقون: بالنون على أنه كلام مبتدأ {الكتابَ} أي الكتابة وكان أحسن الناس خطاً في زمانه. وقيل: كتب الله {والحكمَةَ} بيان الحلال والحرام أو الكتاب الخط باليد. والحكمة: البيان باللسان {والتوراة والإنجيل * وَرَسُولاً} أي ونجعله رسولاً أو يكون في موضع الحال أي وجيهاً في الدنيا والآخرة ورسولاً {إلى بَنِي إسراءيل أَنّي} بأني {قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ} بدلالة تدل على صدقي فيما أدعيه من النبوة {أَنِي أَخْلُقُ لَكُمْ} نصب بدل من {أني قد جئتكم} أو جر بدل من {آية} أو رفع على {هي أني أخلق لكم}. {إنِّيَ}: نافع على الاستئناف {مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} أي أقدر لكم شيئاً مثل صورة الطير {فَأَنفُخُ فِيهِ} الضمير للكاف أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير {فَيَكُونُ طَيْرًا} فيصير طيراً كسائر الطيور. {طائراً}: مدني {بِإِذُنِ الله} بأمره. قيل: لم يخلق شيئاً غير الخفاش {وَأُبْرِئ الأكمه} الذي ولد أعمى {والأبرص وَأُحْيِ الموتى بِإِذْنِ الله} كرر {بإذن الله} دفعاً لو هم من يتوهم فيه اللاهوتية.
روي أنه أحيا سام بن نوح عليه السلام وهم ينظرون إليه فقالوا: هذا سحر مبين فأرنا آية فقال: يا فلان أكلت كذا ويا فلان خبئ لك كذا وهو قوله {وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} و{ما} فيهما بمعنى {الذي}، أو مصدرية {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فيما سبق {لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة} أي قد جئتكم بآية وجئتكم مصدقاً {وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} رد على قوله {بآية من ربكم} أي جئتكم بآية من ربكم ولأحل لكم. وما حرم الله عليهم في شريعة موسى عليه السلام الشحوم ولحوم الإبل والسمك وكل ذي ظفر فأحل لهم عيسى بعض ذلك {وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبّكُمْ} كرر للتأكيد {فاتقوا الله} في تكذيبي وخلافي {وَأَطِيعُونِ} في أمري {إِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ} إقرار بالعبودية ونفي للربوبية عن نفسه بخلاف ما يزعم النصارى {فاعبدوه} دوني {هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} يؤدي صاحبه إلى النعيم المقيم.
{فَلَمَّا أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} علم من اليهود كفراً علماً لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس {قَالَ مَنْ أَنصَارِي} {أنصاري} مدني وهو جمع ناصر كأصحاب أو جمع نصير كأشراف {إِلَى الله} يتعلق بمحذوف حال من الياء أي من أنصاري ذاهباً إلى الله ملتجئاً إليه {قَالَ الحواريون} حواريّ الرجل صفوته وخاصته {نَحْنُ أَنْصَارُ الله} أعوان دينه {آمنا بالله واشهد} يا عيسى {بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} إنما طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيداً لإيمانهم لأن الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم، وفيه دليل على أن الإيمان والإسلام واحد {رَبَّنَا ءَامَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ واتبعنا الرسول} أي رسولك عيسى {فاكتبنا مَعَ الشاهدين} مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم، أو مع الذين يشهدون لك بالوحدانية، أو مع أمة محمد عليه السلام لأنهم شهداء على الناس {وَمَكَرُواْ} أي كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر حين أرادوا قتله وصلبه {وَمَكَرَ الله} أي جازاهم على مكرهم بأن رفع عيسى إلى السماء وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل، ولا يجوز إضافة المكر إلى الله تعالى إلا على معنى الجزاء، لأنه مذموم عند الخلق وعلى هذا الخداع والاستهزاء كذا في شرح التأويلات. {والله خَيْرُ الماكرين} أقوى المجازين وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب {إِذْ قَالَ الله} ظرف لمكر الله {ياعيسى إِنّي مُتَوَفّيكَ} أي مستوفي أجلك ومعناه أني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومميتك حتف أنفك لا قتلاً بأيديهم {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} إلى سمائي ومقر ملائكتي {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} من سوء جوارهم وخبث صحبتهم.
وقيل: متوفيك قابضك من الأرض من توفيت مالي على فلان إذا استوفيته، أو مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ورافعك الآن، إذ الواو لا توجب الترتيب. قال النبي عليه السلام: «ينزل عيسى خليفة على أمتي يدق الصليب ويقتل الخنازير ويلبث أربعين سنة، ويتزوج ويولد له ثم يتوفى وكيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي وفي وسطها» أو متوفي نفسك بالنوم ورافعك وأنت نائم حتى لا يلحقك خوف وتستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب {وَجَاعِلُ الذين اتبعوك} أي المسلمين لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى {فَوْقَ الذين كَفَرُواْ} بك {إلى يَوْمِ القيامة} يعلونهم بالحجة وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} في الآخرة {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَأُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدنيا والآخرة وَمَا لَهُمْ مّن ناصرين * وَأَمَّا الذين ءَامَنُوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ والله لاَ يُحِبُّ الظالمين} وتفسير الحكم هاتان الآيتان فيوفيهم حفص.


{ذلك} إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ {نَتْلُوهُ عَلَيْكَ} خبره {مِنَ الأيات} خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف {والذكر الحكيم} القرآن يعني المحكم، أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه. ونزل لما قال وفد بني نجران هل رأيت ولداً بلا أب. {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ} أي إن شأن عيسى وحاله الغريبة كشأن آدم عليه السلام {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} قدره جسداً من طين وهي جملة مفسرة لحالة شبه عيسى بآدم ولا موضع لها أي خلق آدم من تراب ولم يكن ثمة أب ولا أم، فكذلك حال عيسى مع أن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود من غير أب، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه، وعن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم: لم تعبدون عيسى؟ قالوا: لأنه لا أب له قال: فآدم أولى لأنه لا أبوين له. قالوا: كان يحيي الموتى. قال: فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وحزقيل ثمانية آلاف. فقالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص. قال: فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالماً {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن} أي أنشأه بشراً {فَيَكُونُ} أي فكان وهو حكاية حال ماضية، و{ثم} لترتيب الخبر على الخبر لا لترتيب المخبر عنه {الحق مِن رَّبّكَ} خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق {فَلاَ تَكُن} أيها السامع {مِنَ الممترين} الشاكين. ويحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون من باب التهييج لزيادة الثبات لأنه عليه السلام معصوم من الامتراء {فَمَنْ حَاجَّكَ} من النصارى {فِيهِ} في عيسى {مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم} من البينات الموجبة للعلم و{ما} بمعنى {الذي} {فَقُلْ تَعَالَوْاْ} هلموا والمراد المجيء بالعزم والرأي كما تقول: تعالى نفكر في هذه المسألة {نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} أي يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} ثم نتباهل بأن نقول (بهلة الله على الكاذب منا ومنكم). والبهلة بالفتح والضم اللعنة، وبهله الله لعنه وأبعده من رحمته، وأصل الابتهال هذا ثم يستعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعاناً. روي «أنه عليه السلام لما دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى ننظر. فقال العاقب. وكان ذا رأيهم- والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل وما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكن، فإن أبيتم إلا ألف دينكم فودعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك فصالحهم النبي على ألفي حلة كل سنة فقال عليه السلام: والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير» وإنما ضم الأبناء والنساء وإن كانت المباهلة مختصة به وبمن يكاذبه لأن ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته إن تمت المباهلة. وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على قرب مكانهم ومنزلتهم، وفيه دليل واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يرو أحد من موافق أو مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك {فَنَجْعَل لَّعْنَتُ الله عَلَى الكاذبين} منا ومنكم في شأن عيسى ونبتهل ونجعل معطوفان على {ندع}.
{إِنَّ هَذَا} الذي قص عليك من نبأ عيسى {لَهُوَ القصص الحق} هو فصل بين اسم {إن} وخبرها، أو مبتدأ و{القصص الحق} خبره، والجملة خبر {إن} وجاز دخول اللام على الفصل لأنه إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل أجوز لأنه أقرب إلى المبتدأ منه، وأصلها أن تدخل على المبتدأ. و{من} في {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} بمنزلة البناء على الفتح في (لا إله إلا الله) في إفادة معنى الاستغراق، والمراد الرد على النصارى في تثليثهم {وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز} في الانتقام {الحكيم} في تدبير الأحكام {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أعرضوا ولم يقبلوا {فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بالمفسدين} وعيد لهم بالعذاب المذكور في قوله: {زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].
{قُلْ ياأهل الكتاب} هم أهل الكتابين أو وفد نجران أو يهود المدينة {تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاء} أي مستوية {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل. وتفسير الكلمة قوله {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ الله} يعني تعالوا إليها حتى لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله، لأن كل واحد منهما بعضنا بشر مثلنا، ولا نطيع أحبارنا فميا أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع الله.
وعن عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال: «أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم قال: نعم. قال: هو ذاك» {فَإِن تَوَلَّوْاْ} عن التوحيد {فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع: اعترف بأني أنا الغالب وسلم إليّ الغلبة. {ياأهل الكتاب لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إبراهيم وَمَا أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} زعم كل فريق من اليهود والنصارى أن إبراهيم كان منهم وجادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فيه فقيل لهم: إن اليهودية إنما حدثت بعد نزول التوراة والنصرانية بعد نزول الإنجيل وبين إبراهيم وموسى ألف سنة وبينه وبين عيسى ألفان، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة متطاولة.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال.
{هَاأَنتُمْ هَؤُلاَء} (ها) للتنبيه و{أنتم} مبتدأ و{هؤلاء} خبره {حاججتم} جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى. وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم {فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ} مما نطق به التوراة والإنجيل {فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم. وقيل: هؤلاء بمعنى (الذين) و{حاججتم} صلته. {ها أنتم} بالمد وغير الهمز حيث كان: مدني وأبو عمرو. {والله يَعْلَمُ} علم ما حاججتم فيه {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وأنتم جاهلون به.
ثم أعلمهم بأنه بريء من دينهم فقال: {مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} كأنه أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيراً والمسيح، أو ما كان من المشركين كما لم يكن منهم {إِنَّ أَوْلَى الناس بإبراهيم} إن أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب {لَلَّذِينَ اتبعوه} في زمانه وبعده {وهذا النبي} خصوصاً خص بالذكر لخصوصيته بالفضل والمراد محمد عليه السلام {والذين ءَامَنُواْ} من أمته {والله وَلِيُّ المؤمنين} ناصرهم. {وَدَّت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} هم اليهود دعوا حذيفة وعماراً ومعاذاً إلى اليهود {وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ} وما يعود وبال الإضلال إلا عليهم لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم {وَمَا يَشْعُرُونَ} بذلك.


{يأَهْلَ الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بأيات الله} بالتوراة والإنجيل، وكفرهم بها أنهم لا يؤمنون بما نطقت به من صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} تعترفون بأنها آيات الله أو تكفرون بالقرآن ودلائل نبوة الرسول وأنتم تشهدون نعته في الكتابين، أو تكفرون بآيات الله جميعاً وأنتم تعلمون أنها حق {ياأهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل} تخلطون الإيمان بموسى وعيسى بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم {وَتَكْتُمُونَ الحق} نعت محمد عليه السلام {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه حق {وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب} فيم بينهم {ءامِنُواْ بالذى أُنزِلَ عَلَى الذين ءَامَنُواْ} أي القرآن {وَجْهَ النهار} ظرف أي أوله يعني أظهروا الإيمان بما أنزل على المسلمين في أول النهار {واكفروا ءاخِرَهُ} واكفروا به آخره {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعل المسلمين يقولون ما رجعوا وهم أهل كتاب وعلم إلا لأمر قد تبين لهم فيرجعون برجوعكم.
{وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} {ولا تؤمنوا} متعلق بقوله {أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم} وما بينهما اعتراض أي ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم، أرادوا أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتاً ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ} عطف على {أن يؤتى} والضمير في {يحاجوكم} لأحد لأنه في معنى الجمع بمعنى ولا تؤمنوا لغير اتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله بالحجة. ومعنى الاعتراض أن الهدى هدى الله من شاء هداه حتى أسلم أو ثبت على الإسلام كان ذلك ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين، وكذلك قوله {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} يريد الهداية والتوفيق، أو يتم الكلام عند قوله {إلا لمن تبع دينكم} أي ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر وهو إيمانهم وجه النهار إلا لمن تبع دينكم إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم، لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم. ومعنى قوله {أن يؤتى} لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه لا لشيء آخر يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يأتي أحد مثل ما أوتيتم من العلم، والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم، ويدل عليه قراءة ابن كثير {آن} بالمد والاستفهام يعني الآن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب تحسدونهم. وقوله {أو يحاجوكم} على هذا معناه دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو لما يتصل به عند كفركم به من محاجتهم لكم عند ربكم {والله واسع} أي واسع الرحمة {عَلِيمٌ} بالمصلحة {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ} بالنبوة أو بالإسلام {مَن يَشَاء والله ذُو الفضل العظيم * وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ} هو عبد الله بن سلام، استودعه رجل من قريش ألفاً ومائتي أوقية ذهباً فأداه إليه {وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} هو فنحاص بن عازوراء، استودعه رجل من قريش ديناراً فجحده وخانه.
وقال: المأمونون على الكثير النصارى لغلبة الأمانة عليهم، والخائنون في القليل اليهود لغلبة الخيانة عليهم {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} إلا مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائماً على رأسه ملازماً له. {يؤده} و{لا يؤده} بكسر الهاء مشبعة: مكي وشامي ونافع وعلي وحفص، واختلس أبو عمرو في رواية. غيرهم: بسكون الهاء.
{ذلك} إشارة إلى ترك الأداء الذي دل عليه {لا يؤده} {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الأميين سَبِيلٌ} أي تركهم أداء الحقوق بسبب قولهم {ليس علينا من الأميين سبيل} أي لا يتطرق علينا إثم وذم في شأن الأميين يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب، وما فعلنا بهم من حبس أموالهم والإضرار بهم لأنهم ليسوا على ديننا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم وكانوا يقولون لم يجعل لهم في كتابنا حرمة. وقيل: بايع اليهود رجالاً من قريش، فلما أسلموا تقاضوهم فقالوا: ليس لكم علينا حق حيث تركتم دينكم وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم {وَيَقُولُونَ عَلَى الله الكذب} بادعائهم أن ذلك في كتابهم {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنهم كاذبون {بلى} إثبات لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين أي بلى عليهم سبيل فيهم. وقوله {مَنْ أوفى بِعَهْدِهِ واتقى} جملة مسأنفة مقررة للجملة التي سدت {بلى} مسدها، والضمير في {بعده} يرجع إلى الله تعالى أي كل من أوفى بعهد الله واتقاه {فَإِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} أي يحبهم فوضع الظاهر موضع الضمير وعموم المتقين قام مقام الضمير الراجع من الجزاء إلى {من} ويدخل في ذلك الإيمان وغيره من الصالحات وما وجب اتقاؤه من الكفر وأعمال السوء. قيل: نزلت في عبد الله بن سلام ونحوه من مسلمي أهل الكتاب، ويجوز أن يرجع الضمير إلى {من أوفى} أي كل من أوفى بما عاهد الله عليه واتقى الله في ترك الخيانة والغدر فإن الله يحبه. ونزل فيمن حرّف التوراة وبدل نعته عليه السلام من اليهود وأخذ الرشوة على ذلك {إِنَّ الذين يَشْتَرُونَ} يستبدلون {بِعَهْدِ الله} بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم {وأيمانهم} وبما حلفوا به من قولهم (والله لنؤمنن به ولننصرنه) {ثَمَناً قَلِيلاً} متاع الدنيا من الترؤس والارتشاء ونحو ذلك، وقوله {بعهد الله} يقوي رجوع الضمير في {بعهده} إلى الله {أولئك لاَ خلاق لَهُمْ فِى الآخرة} أي لا نصيب {وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله} بما يسرهم {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة} نظر رحمة {وَلاَ يُزَكّيهِمْ} ولا يثني عليهم {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم.
{وَإِنَّ مِنْهُمْ} من أهل الكتاب {لَفَرِيقًا} هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن أخطب وغيرهم {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بالكتاب} يفتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف، واللّيُ الفتل وهو الصرف والمراد تحريفهم كآبة الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك. والضمير في {لِتَحْسَبُوهُ} يرجع إلى ما دل عليه {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بالكتاب} وهو المحرف، ويجوز أن يراد يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه {مّنَ الكتاب} أي التوراة {وَمَا هُوَ مِنَ الكتاب} وليس هو من التوراة {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ} تأكيد لقوله {وما هو من الكتاب} وزيادة تشنيع عليهم {وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله وَيَقُولُونَ عَلَى الله الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنهم كاذبون {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ الله الكتاب} تكذيب لمن اعتقد عبادة عيسى عليه السلام. وقيل: قال رجل: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله» {والحكم} والحكمة وهي السنة أو فصل القضاء {والنبوة ثُمَّ يَقُولَ} عطف على {يؤتيه} {لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لّى مِن دُونِ الله ولكن كُونُواْ ربانيين} ولكن يقول: كونوا ربانيين. والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو شديد التمسك بدين الله وطاعته. وحين مات ابن عباس قال ابن الحنفية: مات رباني هذه الأمة. وعن الحسن: ربانيين علماء فقهاء. وقيل: علماء معلمين. وقالوا: الرباني العالم العامل {بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ الكتاب} كوفي وشامي أي غيركم غيرهم بالتخفيف {وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} أي تقرأون، والمعنى بسبب كونكم عالمين وبسبب كونكم دارسين للعلم كانت الربانية التي هي قوة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والدراسة، وكفى به دليلاً على خيبة سعي من جهد نفسه وكد روحه في جمع العلم ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل، فكان كمن غرس شجرة حسناء تؤنقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها. وقيل: معنى {تدرسون} تدرسونه على الناس كقوله {لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس} [الإسراء: 106] فيكون معناه معنى تدرسون من التدريس كقراءة ابن جبير.
{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ} بالنصب عطفاً على {ثم يقول} ووجهه أن تجعل {لا} مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله {ما كان لبشر} والمعنى ما كان لبشر أن يستنبئه الله وينصبه للدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له ويأمركم {أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَابًا} كما تقول (ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي)وبالرفع حجازي وأبو عمرو وعليّ على ابتداء الكلام، والهمزة في {أَيَأْمُرُكُم بالكفر} للإنكار والضمير في {لا يأمركم} و{أيأمركم} للبشر أو لله.
وقوله {بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} يدل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوه أن يسجدوا له.
{وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} هو على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك، أو المراد ميثاق الأولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف. واللام في {لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كتاب وَحِكْمَةٍ} لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف، وفي {لتؤمنن} لام جواب القسم، وما يجوز أن تكون متضمنة لمعنى الشرط و{لتؤمنن} ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً، وأن تكون موصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به {ثُمَّ جَاءكُمْ} معطوف على الصلة والعائد منه إلى ما محذوف والتقدير ثم جاءكم به {رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لّمَا مَعَكُمْ} للكتاب الذي معكم {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} بالرسول {وَلَتَنصُرُنَّهُ} أي الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم {لما آتيتكم} حمزة و{ما} بمعنى الذي، أو مصدرية أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم. واللام للتعليل أي أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه لأجل أني آتيتكم الحكمة، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف. {آتيناكم}: مدني {قَالَ} أي الله {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِى} أي قبلتم عهدي، وسمي إصراً لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد {قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا} فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار {وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ الشاهدين} وأنا معكم على ذلك من إقراركم وتشاهدكم من الشاهدين، وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرجوع إذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض. وقيل: قال الله للملائكة اشهدوا {فَمَنْ تولى بَعْدَ ذلك} الميثاق والتوكيد ونقض العهد بعد قبوله وأعرض عن الإيمان بالنبيّ الجائي {فأولئك هُمُ الفاسقون} المتمردون من الكفار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5